مدونة المكتبة
23May

الأقلام تنتفض والأدب ينتصر

23 May, 2021 | Return|

"اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح، فغسان بقلمه أخطر على إسرائيل من كتيبة فدائيين" هكذا أدلت جولدا مائير بعد اغتيال الموساد لغسان كنفاني؛ وإن في ذلك لدلالة واضحة على ما يفعله القلم وما تصنعه الكلمة وما يخلقه الأدب، فأقلام الأدباء المطعمة بالبارود، والمغلفة بالكرامة هل لها إلا أن تنتصر؟

 

 
أدب المقاومة حمل القضية الفلسطينية على عاتقه تماما كما يفعل المسلمون من مُفَاتَلَة ومقاتلة ومقاومة للعدو في ساحات المسجد الأقصى بلا استسلام ولا انهزام، وشمخ الأدباء والكتّاب كشجرة الزيتون الشامخة المباركة ذات الجذور الضاربة في الأرض الفلسطينية، وخُلّد أدبهم إلى اليوم كشجرة النعناع المعمَرة، وألبسوا صفحات كتبهم كلمات الحق والعزة والقوة -تماما- مثل ما نرتدي اليوم الكوفية الفلسطينية بكل اعتزاز بقضيتنا الأولى بلا خذلان ولا خسران، وزهت كتبهم على رفوف مكتباتنا كزهو برتقال يافا ذي الطعم الحلو واللون الزاهي والعصارة الكثيرة. 

 

 
روائيون ومسرحيون ومترجمون ونقاد وشعراء، جميعهم كانوا رصاصات في صدر العدو، صوّروا مأساة الفلسطينيين وكانوا مرآتها، المرآة التي اكتسحت الهالة الزائفة التي ابتدعها العدو للتضليل والتزوير.

 

 
ما إن تدخل إلى مكتبة أدب المقاومة، لتضع يدك على قسم الروايات، ويلفت ناظريك رواية "أم سعد" و "عن الرجال والبنادق" و "رجال في الشمس" و "عائد إلى حيفا" ليزمجر في ذهنك صوت كاتب هذه الروايات قائلا: "لا تمت قبل أن تكون ندا"، إنه غسان كنفاني الذي لم يمت إلا بعد أن كان ندا بما كتب، وبما كتب أثره خالدا لم يمت.

 

 
أما أدب المراسلات أو أدب المكاتبات فهو فن أدبي عربي قديم، صدحت فيه كلمات الصديقين محمود درويش وسميح القاسم بهموم الشعب الفلسطيني، التي يتساءل فيها محمود درويش: "ما قيمة أن يتبادل شاعران الرسائل؟" ليرد على نفسه -ويرد على قارئ هذه التدوينة الذي يريد أن يعرف ما هو وقع أدب المكاتبات وجدواه- قائلا: "هو رغبتنا الواضحة في أن نترك حولنا، وبعدنا، وفينا أثراً مشتركا وشهادة على تجربة جيل تألب على نور الأمل وعلى نار الحسرة وأن نقدم اعتذارا مدويا عن انقطاع أصاب ساعة في عمرنا الواحد".  

 

 
تأجيج الحماس والعروبة والنضال عن المقدسات والوطن؛ اضطلع به أدب المقاومة وكان دافعا وحافزا لهم للصبر والمناضلة والمقاومة في ظل الظروف المأساوية، فكيف لا وفاروق جويدة يستشرف المستقبل بثقة قائلا: "ولن ننساك يا قدس** ستجمعنا صلاة الفجر في صدرك** وقرآن تبسم في سنا ثغرك"، غارسا بذلك فيمن حوله الأمل والتطلع للنصر، ومريد البرغوثي الذي قال: "نحن لم نخسر فلسطين في حرب بحيث نتصرف الآن كمهزومين، ونحن لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق بحيث نستردها بالبراهين"، وفدوى طوقان التي قالت: "هنا كانوا... هنا حلموا... هنا رسموا... مشاريع الغد الآتي** فأين الحلم والآتي؟ وأين هم؟ ولن نرتاح حتى نطرد الأشباح والغربان والظلمة" ولن نرتاح نحن أيضا يا فدوى، وهيهات أن يهدأ لنا بال.

 

 
وغير من حملت هذه التدوينة من جنود الأدب كثير، والذين جاهدوا بالقلم، كما يناضل جنود المقاومة في ساحة المعركة.

 

-وختاما- لا يُخرِس جيش الأقلام من أدرك وقع الكلمة وقوة الأدب فكما قال غسان كنفاني: "لا عذر لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها"، ففلسطين "ضياعها كارثة بلا أي بديل". ففلسطين قضيتنا، نرفض ذلها قلبا، ونرفض ضعفها فعلا، وبالأقلام ننصرها؛ وذلك أضعف الإيمان.