مدونة المكتبة
06Jan

التدوين العماني...من صخور وادي السحتن إلى جهازك الذي تقرأ منه

06 Jan, 2021 | Return|

الصفر هو نقطة البداية التي ينطلق منها كل من أراد أن يضفي شيئاً في المسيرة الإنسانية وكأن الإنسان في حياته يسير في إطار دائري ويعود في كل مرة إلى نقطة البداية. لا سبيل لحفظ تجارب الإنسان، وأحداث يومه، أبواب الوصل والتواصل تغلغلت في أغلاقها الأقفال؛ لتبدو الحياة كورقة بيضاء لا مداد عليها، هكذا كان نمط الحياة قبل التدوين والكتابة.
مجان، ومزون، وعمان، الحضارة الضاربة في عمق التاريخ، والشعب الذي تكاتفت أياديه وتماسكت منذ الأزل، ولم تقف هذه الأيادي مكتوفة بل مُدّت إلى مجالات شتى لتضع لبنات البناء لبنة لبنة، إكمالا على من بنى من السلف، وليبدؤا في تأسيس ما لم يُبنَ. فحواه خيراً لهم وللبشرية جمعاء ممن تلاهم، ولعل من المفارقات الخيّرة التي بزغت على أرض واقعهم هو التوصل للكتابة والتدوين التي مكنت الأجيال جيلاً تلو الجيل تناقل ذلك الرصيد الحافل.
وادي السحتن مهد التعرف على بداية الكتابة العمانية:
وادي السحتن ووادي بني خروص ووادي بني عوف هذه الأودية وُجدت عليها بعض الأحرف التي كانت منطلق علماء الآثار للوقوف على الأبجدية العمانية واستكشاف بداية الكتابة في عمان.
وبالحديث عن وادي السحتن -التابع لولاية الرستاق في الحجر الغربي من عمان- والذي كان طريقاً من البحر إلى المناطق الداخلية في عمان فإنه الموقع المتميز عن باقي المواقع كما يشير الخروصي (2017) حيث يعد المكان الوحيد الذي تم التعرف فيه على الخطوط الموجودة به كونه يحوي عدداً لا بأس به من أبجدية خط السحتن، والذي قُدّرت نشأته من الألف الثالث إلى الألف الأول قبل الميلاد. وبناءً على مقارنتها مع الأبجدية الثمودية نظراً لكون أبجدية السحتن تتفق في سمات كثيرة مع الأبجدية الثمودية، فمنهجية المقارنة هذه هي السبيل للتعرف على أبجدية السحتن لتعذر باقي الوسائل كالتحليل الكربوني للتعامل مع الصخر. والجدير بالذكر أن الأبجدية العمانية هي الأبجدية الأحدث اكتشافاً والمنفردة عن باقي أبجديات شبه الجزيرة العربية؛ لذلك سميت بالأبجدية العمانية، وكما أن أبجدية السحتن -الأبجدية العمانية- تكونت من ثلاثة وثلاثين حرفاً وكانت كل كتابات أبجدية السحتن تبدأ من اليسار إلى اليمين ولذلك دلالة على كون هذه الأبجدية أكثر تنظيماً من غيرها مما يكتب من اليمين إلى اليسار أو العكس، أو من أعلى إلى أسفل أو العكس. 
 مما يثير أطيافاً من الفضول عما إذا كانت أبجدية السحتن هي نقطة البداية الأولى فعلاً أم سبقتها مرحلة أخرى ونمط آخر من التدوين؟ هذا مما لا يمكن الإجابة عليه بالقطع بحسب المعطيات العلمية الحالية، والإنسان يدرس ويتفكر الكون بأرضه وسمائه، وما لم يتوصل إليه جيل ربما ينير الله به أذهان أجيال أخرى.
بوصلة التدوين العماني نحو التطوير والتجديد:
الصخر والحجر والشجر وأوراقها وجلود الحيوانات وعظامها والرق مواد وأدوات متنوعة استخدمها الإنسان للكتابة والتدوين؛ لتظهر في مرحلة ما لدى العرب ما يعرف بالمخطوطات والوثائق المصنوعة من الكتان والقنب والقطن. ولعل مرحلة تدوين المخطوطات واحدة من المراحل الثرية بالإنتاج الفكري العماني، إذ لا يخفى على أحد قيمة المخطوطات العمانية فالشمس لا تغطى بغربال وصولاً للأوراق التجارية والحبر الحديدي الذي توصلت إليه الدول الأوروبية. فقد تم تحقيق المخطوطات لتنشر على هيئة كتب مطبوعة. ومما لا يغفل ذكره هو إنشاء المطبعة السلطانية -أول مطبعة في عمان- في زمن السلطان برغش عام 1880م، وما أحدثته من نقلة نوعية في مجال طباعة المؤلفات. ثم دخلت على وسط التدوين لغة الصفر والواحد باختراع جهاز الحاسوب والذي أسهم في تحقيق طفرة في النشر والتدوين الرقمي في كافة أرجاء المعمورة بما في ذلك الإنسان العماني.
نهضة التدوين التاريخي العماني: 
مما لا يفوت الحديث عنه من خلال هذه التدوينة في مرحلة التدوين التاريخي من قبل العمانيين، التدوين الذي لفت نظر غير الناطقين بالعربية. فمما ندرجه هنا -مثالاً لا حصراً- هو ما قاله "زادونسكي" في حوار له في صحيفة عمان عن كتاب "تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان" للإمام السالمي، إذ يذكر نموذج ونمط التدوين الذي اتبعه الشيخ السالمي وهو منهج "الكرونولوجيا" أي تدوين فترات التاريخ العماني فترةً تلو الأخرى منذ القرن الثالث قبل الميلاد. وهذا أيضا يشير إلى قدم الفترة التي بدأ فيها التدوين التاريخي، حيث إن الشيخ السالمي بدأ في التدوين مع دخول العرب إلى عمان تحت لواء القائد مالك بن فهم. ويعد الشيخ السالمي من الشخصيات الأكثر تأثيراً عالمياً؛ بحسب قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، كذلك أُدرج في القائمة ذاتها أبو مسلم البهلاني الذي دوّن شعراً، والخليل بن أحمد الفراهيدي الذي دوّن في اللغة وأسس علم العروض، والطبيب والصيدلاني راشد بن عميرة، والفيزيائي والطبيب ابن الذهبي. وإن في ذلك لدلائل واضحة على قيمة ما قدمه ودوّنه الإنسان العماني.
لم يتخلف الإنسان العماني عن ركب الحضارة يوماً؛ بل يواكب إلى اليوم التطورات التقنية والتحولات التكنولوجية، ولعل هذه التدوينة التي تقرأها الآن هي ضرباً من ضروب وأشكال التدوين التي وصل إليها الإنسان العماني.

 

تم كتابة النص استناداً على المراجع الآتية: 

- الخروصي، حارث. (4يوليو،2017). الأبجدية العمانية تاريخ إنساني اختزلته الصخور. (مجلة نزوى الإلكترونية). تم الاسترداد من (الأبجدية العُمانية تاريخ إنساني اختزلته الصخور – مجلة نزوى (nizwa.com)).