جديد البحث العلمي
08Feb

السياحة العمانية.. نحو تنمية مستدامة

08 Feb, 2022 | Return|

د البوسعيدي: برنامج "تنفيذ" يعزز التنويع الاقتصادي
البلوشية: السياحة أداة لكي تطلق المرأة العنان لإمكانياتها وقدراتها 
المحرزي: الاستفادة من المواقع الثقافية والاثرية مهم لتطوير القطاع
عفيفي: رفع مستوى الخدمة السياحية سيخدم المجتمع المحلي
لم تعد السياحة مجرد قطاع هامشي، أو مصدر ثانوي لرفع المستوى الاقتصادي لأي دولة، بل أصبح في عصر النقل السريع والحدود المفتوحة أحد أهم وسائل رفد المستوى المعيشي للمجتمعات المختلفة؛ إذ بلغت الإيرادات العالمية لهذا القطاع خلال عام 2019 فقط ما يزيد عن 9 تريليون دولار أمريكي، ما يجعله يتجاوز قطاع الزراعة بثلاثة أضعاف. وهذا المبلغ الضخم أنفقه مليار ونصف سائح حول العالم كان نصيب السلطنة منهم 3.5 مليون سائح أغلبهم من دول المنطقة، وهو عدد مرجح بالارتفاع في ظل مساعي حكومة السلطنة لتنشيط هذا القطاع وتطويره؛ من خلال إعادة هيكلته، ووضع الخطط الرامية لجعله أحد روافد الاقتصاد الوطني الرئيسة.
"تواصل علمي" تواصل دأبها في مواكبة المتغيرات المختلفة التي تشهدها السلطنة في شتي المجالات من خلال تسليط الضوء على القضايا ذات البعد الاستراتيجي بالاستعانة بآراء المختصين والمهتمين، وفي هذا العدد استطلعنا آراء عدد من الأكاديميين المعنيين لإلقاء الضوء على أهمية قطاع السياحة، وسبل الارتقاء به في السلطنة وتطويره.

إسهامات السياحة 
أوضح الدكتور جلال عفيفي - قسم السياحة - ماهية السياحة المستدامة في عمان بقوله: " أن تكون قادرة على الاستمرار لأطول فترة ممكنة بالقدر الذي يسمح بتطوير عناصرها من مقومات ومجتمع، والحفاظ عليها من أي ضرر محتمل، والمتابع للشأن السياحي العماني يلاحظ أنّ السلطنة من أكثر الدول سعيًا لتحقيق التنمية السياحية بمعناها المستدام؛ مما يجعل البعض يظن أنّ هناك بطء في خطوات التنمية السياحية؛ إلا أنّ ما يتم في السلطنة من تنمية سياحية يعد مناسبًا؛ للحيلولة دون أي تأثيرات سلبية خاصة على المقومات الطبيعية وخصائص المجتمع العماني التي تُعد في حد ذاتها عامل جذب سياحي مهم. وهذا التأني وعدم التعجل سيضمن استدامة الموارد الاقتصادية للدولة، وسيوفر فرص عمل آمنة للشباب العماني.
وحول التوجه العالمي لتعزيز الاستدامة في مختلف مناحي الحياة حدثنا الدكتور حمد المحرزي - قسم السياحة - قائلاً: " أهداف التنمية المستدامة، والمعروفة أيضًا بالأهداف العالمية، هي دعوة عالمية للقضاء على التحديات المتعلقة بالفقر، وعدم المساواة، وحماية كوكب الأرض من آثار تغير المناخ، وتدهور البيئة، وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار، كما تتميز بالشمولية والترابط، إذ أنّ مفتاح تحقيق هدف ما مرتبط بشكل وثيق بالأهداف الأخرى، كما أنها تشمل الجميع دون تمييز، إضافة إلى كونها تقتضي التكاتف والتعاون بين الدول لتحقيق الاستدامة في العالم".
وعن إسهامات قطاع السياحة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة قال المحرزي: "مكونات قطاع السياحة المختلفة لديها القدرة على استقطاب العديد من الفرص الوظيفية، وتقديمها لفئات المجتمعات المختلفة سواءً الفرص القيادية، أو الوظائف المهنية، أو التخصصية، والحفاظ على مصادر الثقافة المحلية وتعزيزها عن طريق الاستفادة منها سياحيًا، وبما لا يؤثر على أصالتها واستدامتها، كما أنه يساهم بشكل رئيس في تنشيط الحركة الاقتصادية في المجتمعات الريفية من خلال توفير فرص تجارية متنوعة لشرائح أبناء هذه المجتمعات المختلفة". 
وتشارك الدكتورة هدى البلوشي الدكتور حمد المحرزي الرأي قائلة: " للسياحة القدرة على المساهمة بصورة مباشرة وغير مباشرة في أهداف التنمية المستدامة، التي تتعلق خصيصا بالنمو الاقتصادي والاستهلاك والإنتاج الشامل والمستدام، والاستخدام المستدام للموارد البيئية والطبيعية".
وأضافت: " للسياحة الفضل الكبير في القضاء على الفقر والجوع، وضمان الحصول على الخدمات التي تساعد على التمتع بأنماط معيشية صحية، وضمان توفير التعليم الجيد والعمل اللائق للجميع، والحد من انعدام المساواة داخل المجتمع".
ويرى الدكتور يعقوب البوسعيدي – قسم السياحة - بأنّ السلطنة تسعى إلى تطبيق أهداف التنمية المستدامة بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص، والمجتمع المدني من خلال قطاعاتها المختلفة بنظرة تكاملية، ومن أهمها قطاع السياحة وفقا للخطة الخمسية التاسعة مدعومة ببرامج مثل وجود الاستراتيجية العمانية للسياحة 2040، التي تشرف عليها وزارة السياحة وتنفذ جانبا منها شركة عمران الحكومية، بالإضافة إلى برنامج تنويع الاقتصاد الوطني "تنفيذ".
وتابع حديثه موضحًا: " مبادرة البرنامج الوطني (تنفيذ) بالتعاون مع حكومة ماليزيا (بيماندو (وبمشاركة الجهات الحكومية والخاصة والمدنية، وكذلك أطياف المجتمع؛ جاءت لتعزيز التنويع الاقتصادي. ويركز البرنامج على القطاعات الأساسية المستهدفة ضمن البرنامج، وهي الصناعات التحويلية والسياحة والنقل والخدمات اللوجستية، والتعدين والثروة السمكية. كما يساهم "تنفيذ" في رفع نسبة مساهمة تلك القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة، وزيادة الاستثمارات في القطاعات الواعدة، وزيادة فرص العمل".
السياحة والمجتمع 
تقول الدكتورة هدى البلوشية عن تعزيز التنمية المجتمعية: " تعدّ السياحة من القوى التي تدفع بعجلة النمو الاقتصادي عالميا، وهي تؤمن حاليا 1 من كل 11 وظيفة في جميع أنحاء العالم، وفي مختلف القطاعات المتصلة بالسياحة لما في ذلك من تعزيز للمهارات والارتقاء المهني، كما يندرج تحت هذه المنفعة تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة بطرق عدة. ولأن قطاع السياحة قادر على احتضان عدد كبير من النساء العاملات ورائدات الاعمال؛ فإنّه يعدّ أداة للمرأة لكي تطلق العنان لإمكانياتها وقدراتها، والانخراط الكامل في شتى الجوانب الاجتماعية".
وتابعت: " للسياحة دور فاعل في التسامح والتفاهم بين الشعوب والثقافات والأديان، مرسيا بذلك قواعد السلام بين الدول، ومحليا من خلال منع العنف، والنزاعات عبر إشراك المجتمع في توفير موارد العيش، وتثبيت الهويات الثقافية وتحفيز ريادة الأعمال".
وشدد المحرزي على أهمية الدور الدؤوب للقطاع السياحي ومساهمته في العديد من أوجه التنمية المجتمعية ؛ من خلال توفير الوظائف لشرائح المجتمع المختلفة، بالإضافة إلى تقديمه فرصًا عديدة لرفع مستوى البنية الأساسية في المناطق النائية، والحفاظ على مقوماتها الطبيعية والتراثية، كما يساهم بشكل رئيسي في تعزيز قيم الانتماء، وتوفير فرص تعليمية ممزوجة بجوانب ترفيهية ترفع مستوى الوعي والإدراك بأهمية التراث والثقافة المحلية، ويعزز السلوكيات المستدامة المرتبطة بالبيئات المحلية الطبيعية وغير الطبيعية. 
ويرى عفيفي أن مساهمة السياحة في التنمية المجتمعية تكمن في التطوير العمراني للمجتمعات، وما يترتب عليها من تسريع في مد شبكة الطرق والمياه والكهرباء والصرف الصحي وإنشاء المطارات ووسائل النقل، وأيضا دورها في إكساب المجتمع المعارف، واللغات الجديدة جراء العمل المباشر مع الزوّار الأجانب.
وأضاف: من جهة أخرى، تعدّ السياحة أحد أكثر القطاعات في التوظيف على مستوى العالم، كذلك هي قطاع كثيف العمالة، بمعنى أن رفع مستوى الخدمة يستدعي تعيين مزيد من العمالة على عكس عدد من القطاعات الأخرى، التي يرتبط مفهوم الحداثة فيها بزيادة الاعتماد على الأجهزة مثل الزراعة أو الصناعة أو اللوجستيات.
آثار سلبية
وعن الآثار السلبية المصاحبة قال البوسعيدي: "هناك بعض الجوانب التي تحول دون تحقيق أهداف السياحة المستدامة منها: زيادة العمالة من غير أفراد المجتمع، وقلة الكوادر العمانية المدربة في مجال السياحة عموما، وكيفية استدامتها خصوصا مع قلة المستثمرين المتخصصين في إدارة المواقع التراثية والبيئية سياحيا، بالإضافة إلى الاستهلاك الجائر للموارد البيئية من قبل أفراد المجتمع، أو الزوار بقطعها أو حرقها، وأيضا تغير مجرى الممرات المائية كالوديان، و تغير المجال الأفقي للمنطقة بفعل النشاط العمراني".
وواصل البوسعيدي قائلاً: " نمو هذا القطاع قد يمثل تهديدًا للنمط المعيشي التقليدي للمجتمع، لاسيما مع قلة الوعي بكيفية الاستثمار فيه؛ إذ قد تتسبب قلة الوعي والسعي لتحقيق الربح السريع إلى تخريب البيوت التقليدية وأخذ القطع التراثية، وكما قد يساهم في تفشي بعض المظاهر التي لم تعتد عليها مجتمعاتنا مثل ارتداء السياح لملابس غير محتشمة، والتصوير بدون استئذان، والتخييم في ممتلكات أو أماكن مأهولة بالسكان، كما أنّ الترميم والتأهيل الخاطئ لبعض المباني التاريخية والبيوت التقليدية أحد الأمور التي تصاحب هذا النمو".

توصيات ومقترحات
وبهدف تعزيز دور التنمية السياحية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للسكان المحليين والتقليل من التأثيرات السلبية، يناشد عفيفي المجتمع الالتزام بأسس التنمية المستدامة، ليس على المستوى الاستراتيجي فقط، إنما مستوى الوعي لتحسين بعض الممارسات أثناء السياحة الداخلية فيما يتعلق بالحفاظ على البيئة، والتشجيع على الانخراط بشكل أكبر في عملية الاستثمار السياحي؛ كون المستثمر المحلي سيكون أكثر اهتماما بالحفاظ على مقوماته، وفهم العادات والتقاليد ومراعاتها. 

كما يوصي المحرزي لتحقيق النتائج المرجوة من أهداف التنمية المستدامة قائلاً: "ينبغي الاستفادة من المواقع الثقافية والأثرية لتصبح مواقع سياحية - تعليمية تساهم في الحفاظ على تلك المصادر، وخلق بيئات تعليمية تتسم بالمرح وتعزز من ربط هذه المواقع وتاريخها بالأجيال الناشئة، ومن جانب اقتصادي، تقديم المهارات للسكان المحليين، التي تمكنهم من العمل بشكل مباشر في قطاع السياحة من خلال البرامج التدريبية لتقديم خدمات متكاملة للزوار؛ مما ينعكس إيجابًا على استدامة البيئة، والأسواق السياحية". 
وأضاف: " من المهم الاهتمام بالبيئات الطبيعية وتسويقها سياحيًا، والاستفادة منها اقتصاديًا ومعرفيًا، مع ضرورة تطوير الأنظمة والقوانين التي تساعد على الحفاظ عليها، وأيضاً ضبط سلوك الزوار من أجل استدامة مكوناتها الطبيعية". 
وأكدت البلوشية من جهة أخرى على ضرورة التعامل الأمثل مع المقومات السياحية من خلال التخطيط المستدام، الذي يقوم على الدراسات الاستراتيجية، وذلك بالاعتماد على الباحثين المتخصصين في مجال السياحة المستدامة، بالإضافة إلى الوضوح في هوية عمان كمقصد سياحي، وترويجها إقليميا وعالميا، ولا نغفل عن أهمية الضخ المالي للمشاريع السياحية في السلطنة لضمان استمراريتها واستدامتها، وذلك لما نلاحظه من عدم استدامة مستمر بسبب قلة الترويج، أو ضعف الضخ المالي، بالإضافة إلى الحاجة لإشراك المجتمع المحلي، وتشجيع ريادة الأعمال، والابتكار من خلال تقديم التسهيلات اللازمة، وإيجاد أنماط استهلاك وانتاج مستدامة.
ويأمل البوسعيدي من الجهات المعنية تقنين ملكية الأراضي الواقعة في مواقع التنمية السياحية، وطبيعة استخداماتها والأنشطة المسموح بها للحد من الحيازات غير القانونية، وإدارة المحميات الطبيعية والغطاء النباتي والحيوي بشكل عام بصورة منظمة ومسؤولة، من حيث إدارة الزوار، وتحديد الطاقة الاستيعابية للموقع ، وتخصيص مواقع الأنشطة والتخييم، وأيضا توفير وسائل التعليم والتثقيف الملائمة للموقع، بالإضافة إلى دعم المستثمرين والحرفيين العمانيين وخاصة تلك الحرف التي توشك على التلاشي كصناعة العصي والنسيج والفضيات والفخاريات والسعفيات.
وختم حديثه قائلاً: " للنهوض بالتنمية السياحية يلزم تطوير البنية الأساسية، والمرافق والخدمات السياحية في المناطق المخصصة، وتطوير خدمات النقل السياحي لتقليل الازدحام المروري، وتطوير المواقع التاريخية وتجمعات البيوت التقليدية واستثمارها كنزل ومقاهي ومعارض؛ للمساهمة في إثراء التجربة السياحية مع فرص الحصول على عوائد مادية تستثمر لأعمال الصيانة والتشغيل والتطوير والتوظيف"