جديد البحث العلمي
18Jan

واقع البحث العلمي للتحول إلى مجتمع المعرفة

18 Jan, 2021 | Return|

صاحب الجلالة السلطان قابوس – طيب الله ثراه – وهو يسعى ويجتهد لمستقبل هذا البلد العزيز، قال في إحدى خطاباته: «عندما نصل بالتعليم إلى الدرجات العليا فنحن مطالبون بأن نضيف إلى تلك المعارف معارف جديدة، أن نبحث، ونستنبط، ونفكر، وأن نتدبر، وعلينا أيضًا تصحيح معارف من سبقنا؛ لأنه في كثير منها نظريات، والنظريات تكون متجددة، فلا نقول أن ما وصلوا إليه في الماضي هي المعرفة، لا. المعرفة ليست مطلقة، المعرفة متجددة».
لا يخفى على أحد أن بناء مجتمع المعرفة هو من أهميات البحث العلمي، وهو النواة التي ترتكز عليها البلدان المتقدمة، حيث تتسارع الدول في الحصول على أسبقية العلم، وتُحظى على أكبر قدر ممكن من المعرفة الدقيقة المثمرة. 
وإيماناً بضرورة توظيف نتائج البحث العلمي في التنمية الشاملة، تعمل الجامعة على إقامة مؤتمر دولي لإدارة البحث العلمي، حرصا منها على استفادة المجتمع من نتائج البحوث، وتوجيهه نحو إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه الإنسان، وتضمن له التميز والتقدم. 
في هذا الصدد "تواصل علمي" تسلط الضوء على اهتمام الجامعة في أثر البحث العلمي وفاعليته من خلال تطوير رؤية واستراتيجية بحثية  للمؤسسات، وتبحث عن واقع البحث العلمي في الجامعة والسلطنة بشكل عام محلياً وإقليمياً، وتحديد التحديات والقضايا التي تواجه إدارة البحث العلمي وسُبُل معالجتها.


توظيف البحث العلمي لتحقيق رؤية 2040
في البداية يحدثنا الدكتور سالم العبري -كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - عن أهمية البحث العلمي للمؤسسات والمجتمع عامةَ بقوله: " يعد البحث العملي جزء أساسي في عمل أي مؤسسة أكاديمية، ويتطلع المستفيدون من النتاج البحثي لهذه المؤسسات في أن توفر هذه البحوث حلولا عملية مباشرة لمختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية المختلفة للمجتمع، ويسهم بشكل ملحوظ في تقديم حلولا خلاقة تسهم في تقدم المجتمعات ورقيها".
وتشاركه الرأي الدكتورة جميلة الهنائية -مجلس البحث العلمي- قائلة: " ترتكز الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتطوير 2040 على تعزيز دورها في التحول لمجتمع المعرفة وبما يسهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة في السلطنة، وفق رؤية مستقبلية لبحث علمي يقود إلى مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة، وتحقيق مهمة توظيف البحث العلمي والتطوير للمساهمة في تحقيق رؤية عمان 2040 وبما يدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية".
ويؤكد جمال الغيلاني -مدير دائرة النشر العلمي والتواصل بعمادة البحث العلمي- تزايد أهمية البحث العلمي يوماً بعد يوم، إذ أصبح العالم في سباق محموم للوصول إلى الأهداف المراد تحقيقها من النتائج البحثية النافعة القابلة للتطبيق العملي وتسويقها لتسهم في رفد الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمعات".

الهدف أن تكون عُمان محورا إقليميا للإبداع والابتكار
من جهة أخرى، تستعرض الهنائية رؤية المجلس لخدمة البحث العلمي في السلطنة قائلة: " أسند المرسوم السلطاني السامي لمجلس البحث العلمي تنظيم شؤون البحث العلمي وإعداد استراتيجية متكاملة له إلى جانب وضع برامج لتنفيذ أولويات البحث العلمي والإشراف عليه، وقام المجلس بإعداد الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي 2020 وفق رؤية بأن تكون عمان محورا إقليميا للإبداع ورائدة في ابتكار الأفكار مع التركيز على تأسيس منظومة إبداعية تستجيب للمتطلبات المحلية والتوجهات العالمية ومبدأ تعزيز الانسجام الاجتماعي تكون مرجعيتها الابتكار والتميز العلمي، والتي ترجمت في أربعة أهداف استراتيجية تتضمن: بناء السعة البحثية، وتحقيق التميز البحثي، وتأسيس الروابط البحثية ونقل المعرفة، وأيضا توفير البيئة البحثية المحفزة".
وأضافت: "عرّفت الاستراتيجية ثلاث مراحل لتأسيس منظومة إبداعية وهي تمكين البحث العلمي وإزالة العقبات ثم المواءمة مع المتطلبات الوطنية ومرحلة البناء للمستقبل لتكون عمان ضمن خارطة العالم للعلوم والتقانة، حيث قام المجلس بتفعيل مجموعة من البرامج المرتبطة بالأهداف الاستراتيجية الأربعة التي ساهمت في تعزيز السعة البحثية وتمكين البيئة الابتكارية المحفزة لإنتاج المعرفة".

استخدام المنصات المختلفة لتسويق البحث العلمي
وحول دور الجامعة في تسويق البحث العلمي قال الغيلاني: " تعد عملية ترويج البحث العلمي وتوظيف نتائجه في التنمية من بين المعايير المعتمدة في قياس مدى تحقيق مؤسسات البحث والتطوير لأهدافها، فقد وضعت الجامعة توجهات لتسويق البحث العلمي وتعزيز المسؤولية الاجتماعية في نقل هذا الرصيد خارج الجامعة، كما أن عمليات التسويق للمنتج البحثي لا تربط بفترة معينة، بقدر ما هي عملية مستدامة تستهدف إيجاد مداخل تسويقية من خلال تفعيل دور الاعلام الرقمي والقنوات التلفزيونية والاذاعية المتنوعة وشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها".
ويواصل حديثه قائلاً: "  تقوم عمادة البحث العلمي بالجامعة ممثلة في دائرة النشر العلمي والتواصل بتسويق البحث العلمي ونشر الجهود البحثية من خلال مشاركتها في مجلات عالمية وعمل إصدارات متنوعة تتجلى في نشرة تواصل علمي الفصلية والتي تتناول موضوعات مختلفة ما بين حوار وتحقيق ودراسات وأخبار بحثية وتسلط الضوء على الابتكارات والمواهب الطلابية، وأيضا نقوم بنشر الأخبار والفعاليات المعنية بالمراكز البحثية والعمادة في الصحف المحلية، كما نعمل على تصوير فيديوهات يوتيوبية قصيرة (دقيقة بحثية)، وفيديوهات وثائقية تبث في التلفزيون حول جهود الكليات والمراكز في مجال البحث العلمي، وأيضا نقوم بإعداد برنامج إذاعي ذو محتوى علمي يتضمن لقاءات مع باحثين ومخترعين من أكاديميّ وطلبة الجامعة".

هناك عقبات وتحديات تواجه نمو هذا القطاع
يذكر لنا الدكتور سالم بعض العقبات التي تواجه البحث العلمي في الجامعة بقوله: " بداية يوجد ضعف في مدى انخراط قطاع الأعمال في المشاريع البحثية في الجامعة والذي يمكن تسهيله من خلال توفير البيانات التي يحتاجها الباحثون لمشاريعهم، حيث تتحجج المؤسسات بسرية البيانات، على الرغم من توفير الضمانات من قبل الباحثين بأن البيانات سيتم التعامل معها بسرية تامة ولن يتم الإفصاح عن المؤسسة المشاركة، إضافة إلى ذلك توجد فجوة بين الأبحاث العلمية التي يعمل عليها الباحثون وحاجة المجتمع للحلول التي تعالج قضايا اجتماعية واقتصادية مختلفة، فغالبا ما تتسم هذه البحوث بالطابع النظري ولا يتم تحويلها إلى حلول عملية في متناول المجتمع، وبالتالي فإن المجتمع لا يرى فائدة كبيرة من هذه البحوث وأنها مجرد مشاريع لا تعكس حاجة المجتمع، مما ينتج عنه تردد بعض المؤسسات عندما يتعلق الأمر بتمويل بعض المشاريع البحثية".

ومن جانب آخر قالت الهنائية: " بالنظر إلى تحليل 2018 لمؤشرات البحث العلمي والتطوير ومقارنتها بأداء عام 2007 ، يظهر التطور في مؤشرات الأداء الرئيسية خلال تنفيذ خطط وبرامج الاستراتيجية للبحث العلمي، ومن أجل تحديد واقع البحث العلمي في السلطنة لابد من تحليل أداء منظومة البحث العلمي حيث أظهرت نتائج التحليل الرباعيSWOT  مجموعة من نقاط القوة، حيث تم تأسيس منظومة وطنية للبحث العلمي والتطوير مع وجود بعض التحديات فيما يتعلق بالقدرات البحثية وعملية استثمار المعرفة ، مع توفر بنية أساسية بحثية تشمل مراكز وبرامج بحثية متنوعة (مثل مجمع الابتكار مسقط) وكذلك بنية أساسية رقمية متينة".
وتابعت حديثها قائلة: " أما بشأن التحديات الداخلية، هناك عوامل مرتبطة بمكونات منظومة البحث العلمي مثل قلة عدد الباحثين لكون معظم الباحثين غير متفرغين كلياً أو نسبياً لإجراء البحوث العلمية وذلك لارتباطهم بالتعليم الأكاديمي (الارتباط الوظيفي)، وكذلك قلة المشاريع والمبادرات البحثية التطبيقية الموجهة للاستثمار ضمن القطاعات ذات الأولوية الوطنية في السلطنة، بالإضافة لمحدودية استثمار المعرفة العلمية والبحثية في تطوير شركات وتقنيات قادرة على المساهمة في الاقتصاد الوطني وكذلك ازدواجية العمل بين المؤسسات مما يؤثر على كفاءة الانفاق على البحث والتطوير وضعف المخرجات".

مطلوب قاعدة بيانات موحدة
وعن التطلعات التي يسعى الباحثون إلى توظيفها في تذليل الصعوبات والعقبات التي تعتري البحث العلمي، يشاركنا الرأي الدكتور مظاهر العجمي -كلية العلوم- بقوله: " نشر الفكر التوعوي في القطاع الخاص وطلب مساهمته به، حيث أن غياب دعم القطاع الخاص لهذه البحوث العلمية يعدّ من أهم التحديات التي تواجه البحث العلمي، وأيضا محاولة إيجاد التنويع في مصادر التمويل للبحث العلمي كالاتفاقات البحثية مع مزيد من مراكز البحث العالمية والجامعات. كذلك نشر ثقافة البحث العلمي في المجتمع وتعزيزها بوسائل التعليم، فمعظم أفراد المجتمع يرون أن الجامعة لها وظيفة التعليم فقط".
ويواصل قوله مخصصاً تحقيق الأهداف حول البحوث الأساسية معرفاً إياها: هي التي تفيد جميع الفئات في العالم كبحوث اللغة العربية وغير العربية العامة وبحوث علم الاجتماع العامة والبحوث الطبية العامة وبحوث الرياضيات البحتة وعلم الكونيات وغيرها، من الممكن تعزيز التطوير بها من خلال تقديم المعونات المادية الكافية لهذا النوع عبر شراء البرمجيات وتحديثها سنويًا، وإنشاء قاعدة بيانات مشتركة بين الباحثين والمؤسسات للوصول إلى نتائج أفضل، وأيضا تعزيز الزيارات البحثية وتسهيل قدوم الزائرين الباحثين. كما يجب تكثيف التعاون بين مختلف الأقسام في الكلية الواحدة وإيجاد البحوث المشتركة بينها لتعزيز الأفكار والرؤى، والتعاون بين الكليات في المجالات المشتركة ككلية الطب والعلوم الصحية وكلية الزراعة والعلوم البحرية وكلية العلوم فيما يخص علم الأحياء والأمراض البشرية والحيوانية والنباتية، وفيما يخص علوم النباتات الطبية والعلوم البيئية والعلوم التطبيقية، إضافة إلى ذلك التواصل مع جامعات أخرى ومراكز بحثية أخرى مرتبطة بوزارات أو شركات قد تخدم المجالات المشتركة."

ويؤكد العبري على ضرورة توعية قطاع الأعمال بالقيمة المضافة التي تقدمها البحوث العلمية لهذه المؤسسات في شكل منتجات جديدة وحلول عملية مختلفة. وذلك بسبب ضعف عملية التسويق للكفاءات البحثية الموجودة والنتاج البحثي، ويوصي بالعمل المشترك في مجال البحوث، والذي من شأنه أن يزيد كمية ونوعية البحوث، نتيجة تقسيم العمل حسب خبرات أعضاء الفريق البحثي وقدراتهم.
وعلى مستوى البنية التحتية يضيف: "تنقصنا قاعدة بيانات شاملة على مستوى الجامعة يمكن من خلالها معرفة بشكل دقيق وآني عدد ونوعية المشاريع البحثية وعدد الباحثين العاملين عليها وبياناتهم المرتبطة بهم، ففي الوقت الحالي هناك جهود فردية على مستوى الكليات لتطوير قواعد بيانات خاصة بها، ولكن ما هو مطلوب قاعدة بيانات موحدة تمكن المختصين من قياس ومتابعة الإنتاجية البحثية بشكل آني ومستمر ودقيق لكل أكاديمي ولكل كلية أو مركز. كذلك نتطلع لوجود نظام توجهي  (mentoring) يشجع الباحثين المتمكنين سواء من هم في درجة الأستاذية أو الأستاذ المشارك في تطوير وإشراك الباحثين الأقل خبرة منهم والذين هم في درجة أستاذ مساعد أو محاضر في بحوثهم، وبالتالي إكسابهم المهارات البحثية اللازمة لبدء مشوارهم البحثي".

نحتاج قانون يلزم القطاع الخاص بالمساهمة في جهود البحث
من جهتها، حدثتنا  الدكتورة جميلة عن دور مجلس البحث العلمي في بناء منظومة وطنية للابتكار والبحث في السلطنة قائلة: " ينعكس اتساع وعمق مهام مجلس البحث العلمي في عدد البرامج البحثية والابتكارية التي تغطي جميع مراحل البحث والابتكار لتعزيز السعة البحثية وتمكين البيئة البحثية والابتكارية المحفزة، حيث أثمرت الجهود السابقة في دعم سلسلة صناعة التقانة حتى المستوى الخامس من مستويات الجاهزية التكنولوجية، وتتطلب المرحلة القادمة التركيز على المستويات العليا التي تكافئ المستويات 5-7 مع مواصلة دعم الإنتاج المعرفي للمستويات 1-4 حسب توصيف الجاهزية التكنولوجية TRL".
وأوضحت الهنائية أبرز توجهات أهداف الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتطوير 2040 قائلة: "نسعى لتعزيز منظومة البحث العلمي والتطوير لدعم التنمية المبنية على المعرفة والابتكار، والترابط والتكامل بين جميع الأطراف الفاعلة في منظومة البحث العلمي والتطوير مع التركيز عل التعاون الأكاديمي الصناعي، وتحقيق التميز البحثي بشكل يؤدي إلى التأثير الاقتصادي والاجتماعي المنشود، وأخيراً الارتقاء بالبحث العلمي والتطوير ونشر ثقافته لتدعيم رأس المال الفكري".
وأوصت الهنائية بأهمية سن التشريعات التي تلزم الصناعة والقطاع الخاص بتخصيص جزء من صافي أرباحها السنوية لتمويل البحث العلمي والتطوير مقابل الاستفادة من خبرات ونشاطات الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في تطوير برامجها الإنتاجية، وتسهيل إقامة وحضور المؤتمرات والندوات العلمية التي يتم فيها مناقشة التوجهات المستقبلية ومعالجة التحديات، وتشجيع النشر العلمي ووضع حد سنوي أدنى للتقارير والبحوث العلمية لضمان بقاء الباحثين فاعلين في ساحات النشاط والإبداع، بالإضافة إلى تقوية أساليب الاتصال والتبادل الفكري وتطوير علاقات التعاون مع المؤسسات البحثية الإقليمية والدولية".