جديد البحث العلمي
20May

قصة نجاح لشجرة الجاتروفا ترويها أحد المزارع العُمانية

20 May, 2025 | Return|

بينما تتزايد أزمة ندرة المياه العذبة في عالمنا، تتسارع الجهود لإيجاد حلول مبتكرة تُلبي الاحتياجات المتزايدة دون استنزاف الموارد المحدودة، وفي أحد المزارع العمانية، بدأت قصة شجرة صغيرة تُروى بمياه الصرف الصحي، على أمل أن تحمل بذورها حلًا لمستقبل الطاقة.

الدكتور أحمد البوسعيدي، الباحث في كلية العلوم الزراعية والبحرية، والطالبة نبراس الشكيلية، لم تكن عيونهما تنظر فقط إلى تلك الأشجار المزروعة، بل إلى ما يمكن أن تُقدمه من ثمار تحمل وقودًا حيويًا قد يغير الكثير، فهذه الأشجار ليست كباقي الأشجار؛ إنها الجاتروفا، شجرة تتميز بقدرتها على النمو في أصعب الظروف، وإنتاج بذور غنية بالزيوت التي يمكن تحويلها إلى ديزل حيوي.

 

لكن التحدي الأكبر الذي تصدى له الباحثان كان الإجابة عن سؤالين محوريين: هل يمكن لريّ هذه الشجرة بمياه الصرف الصحي المعالجة أن يؤثر على جودة بذورها؟ وهل يمكن أن تضاهي هذه المياه في كفاءتها الري بالمياه العذبة؟

بدأت التجربة بتقسيم النباتات إلى مجموعتين؛ الأولى تُروى بالمياه العذبة، والأخرى بمياه الصرف الصحي المعالجة، ومع مرور الوقت، لم يكن الباحثان يراقبان فقط نمو الأشجار، بل كانا يتطلعان إلى المستقبل، حيث يمكن لهذه البذور أن تقدم وقودًا مستدامًا.

مع اقتراب موعد الحصاد، بدأ الجزء الأكثر إثارة من البحث، حيث تم تجهيز البذور بعناية؛ غُسلت، وجُففت، وطُحنت مع إضافة مادة الهكسان لاستخراج الزيت باستخدام تقنية الموجات فوق الصوتية.

من البذور إلى الوقود: بعد استخلاص الزيت باستخدام الهكسان وفصله بالتقطير، تم تحويل الزيت إلى ديزل حيوي في عملية دقيقة تضمنت إضافة الميثانول والمحفزات الكيميائية، ولم يقتصر الأمر على إنتاج الوقود فقط، بل تم الاستفادة من المنتج الثانوي، والجلسرين، في تصنيع صابون وكريمات بروائح متنوعة، في حين استخدمت بقايا البذور كسماد عضوي.

النتائج: أثبتت أن نوع المياه المستخدمة في الري لم يؤثر على نمو الأشجار أو إنتاج البذور. كما أظهرت البذور زيتًا بنسبة تفوق 60%. كما أن الوقود المستخرج أظهر كفاءة عالية مقارنة بالديزل الأحفوري، إذ حقق رقم "ستياني" أعلى (53 مقابل 40 للديزل التقليدي)، ونقطة اشتعال أعلى (175 درجة مئوية). وعند اختبار الديزل الحيوي على آلة زراعية، عمل بكفاءة دون أي أعطال، ما يثبت جدواه العملية.

انعكاسات اقتصادية وبيئية: تقدم هذه الدراسة نموذجًا رائدًا يدعم الاستدامة البيئية والاقتصادية، حيث إن زراعة شجرة الجاتروفا وريها بمياه الصرف الصحي المعالجة يُعد حلًا مثاليًا في البيئات الصحراوية، ويمكن الاستفادة من الزيت المستخرج في تشغيل الآلات والمحركات، مع تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

إضافة إلى ذلك، أثبتت الدراسة قدرة نبات الجاتروفا على امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، ما يسهم في تحسين جودة الهواء وتقليل الانبعاثات الكربونية. كما تُفتح آفاق جديدة لاستخدام أوراق وبذور الجاتروفا في العديد من الصناعات، مثل صناعة الأسمدة العضوية والجلسرين والكريمات، الأمر الذي سيوفر فرصًا تجارية مُستدامة.

نحو تحقيق رؤية عمان 2040: تتماشى هذه الدراسة مع أهداف رؤية عمان 2040 وأهداف التنمية المستدامة، خصوصًا محور البيئة المستدامة الذي يركز على تعزيز الطاقة المتجددة بأسعار معقولة، ومن خلال هذه الجهود، تؤكد سلطنة عمان التزامها بابتكار حلول ذكية لمواجهة تحديات الطاقة والمياه، مسهمةً بذلك في بناء مستقبل مستدام للجميع.

 

د. أحمد البوسعيدي – كلية العلوم الزراعية والبحرية