في عالم العسل، تتنوع تفضيلات الناس حسب الذوق، فهناك من يفضل العسل الطبيعي المستخرج من الجبال، وآخرون يفضلون عسل المناحل الذي يتم تربيته بعناية، بينما يُفضل البعض العسل التجاري الذي يضمن توافره وسعره المعقول. لكن مع تنوع الأنواع، يبقى السؤال الكبير: هل يختلف العسل المحلي عن التجاري من حيث التركيب والسكريات؟

تبدأ قصتنا في مختبرات كلية الطب والعلوم الصحية، حيث كان الدكتور حيدر اللواتي وفريقه من الباحثين يتطلعون إلى الإجابة عن هذا السؤال عبر دراسة مبتكرة. كان الهدف الرئيس لهذه الدراسة هو اكتشاف وتحديد كميات السكريات المختلفة في العسل، مثل الجلوكوز والفركتوز والسكروز والمالتوز، باستخدام تقنية جديدة سريعة ورخيصة.

قبل هذه الدراسة، كانت الطرق التقليدية المعتمدة تتطلب استخدام أجهزة معقدة ومكلفة مثل الكروماتوغرافيا السائلة، والتي تأخذ وقتًا طويلًا للحصول على النتائج، ومع ذلك، قرر الفريق البحث عن طرق أسرع وأقل تكلفة، ليأتي الحل من خلال "تقنية المختبر على ورق"، فهذه التقنية الحديثة تعتمد على استخدام الورق كمادة تفاعلية لاستكشاف المواد الكيميائية عبر الاستفادة من خاصية الشعرية للورق، ما يتيح مزج المواد بصورة طبيعية دون الحاجة إلى أجهزة معقدة.

بفضل هذه التقنية المتطورة، أصبح بإمكان الفريق الحصول على نتائج دقيقة في أقل من خمس دقائق، وهو ما سمح لهم بإجراء العديد من التحليلات الدقيقة على عينات مختلفة من العسل المحلي والتجاري. كانت النتائج مفاجئة: على الرغم من أن العديد من الناس يعتقدون أن العسل التجاري يحتوي على كميات أكبر من سكر المائدة، إلا أن تحليلات الفريق أثبتت أن تركيز السكريات في العسل المحلي والعسل التجاري كانت متشابهة جدًا، ولم يكن هناك أي فرق يذكر بين السكريات في العسل المنتج محليًا والعسل التجاري من حيث الجودة والخصائص.

لكن ما يميز هذا الاكتشاف هو المفارقة بين السعر والجودة، إذ تبين أن العسل المحلي المنتَج في سلطنة عمان، مثل عسل السمر والسدر، يتساوى في تركيبته السكرية مع العسل التجاري الذي يُباع بأسعار أقل، رغم الفرق الكبير في الثمن. كما أظهرت الدراسة أن عسل السمر، وهو الأغلى بين الأنواع المحلية، يتمتع بتركيزات مشابهة لأنواع العسل التجاري الأقل تكلفة.

بهذا البحث، لم تكشف الدراسة عن حقيقة علمية فحسب، بل قدمت أيضًا فرصة جديدة للمستهلكين للتفكير في خياراتهم الغذائية بعناية أكبر، والنتيجة أن العسل المحلي ليس فقط طيبًا وصحيًا، بل يمكن أن يكون منافسًا قويًا للعسل التجاري في الأسواق، مع فارق السعر الذي لا يبرر دائمًا الفرق في الجودة.

د. حيدر بن أحمد اللواتي – كلية العلوم