تمتلك سلطنة عُمان تاريخًا عريقًا تمتدُ جذوره عمقًا في الحضارةِ الإنسانيّة، منذ فجر التَّاريخ وعلى مرِّ العصور، فأُتيحَ لها من عراقة الماضي كنوزٌ أثريةٌ شاهدة على عظمة هذه الحضارة وتطورها المستمر؛ فالبقايا الأثريِّة والتّاريخيّة المتناثرة في جميع أرجاء السَّلطنة تجسّد القصّة التي سطرها الإنسان على هذه الأرض منذ ما قبل التّاريخ.
وتنظر سلطنة عُمان اليوم إلى تراثها الحضّاري بوصفه مكونًا جوهريًّا في بناء هُويتها؛ ماضيًّا وحاضرًا؛ لذا تعطي أولية كبيرة لعمليات الكشف والتنقيب عن تلك الآثار، فضلا عن دراستها والعكوف على تأريخها وصيانتها. وتتعدد الأشكال الأثرية والتَّاريخية في عُمان، وتتباين في أنواعها، وتتفاوت في أحجامها؛ فهي تنتمي إلى أزمنة مختلفة نفتقد إلى وثائق مكتوبة حول كثير منها؛ ولذلك فإن تلك الآثار الشّاخصة بمنزلة المصدر المعرفيّ الأساس في سبر الماضي، ودراسة طبيعة الثقافات السَّائدة فيه. وعلى الرغم من حجم هذا الإرث الحضّاري والثّقافي فإن معرفتنا به لا تزال تخطو خطواتها الأولى.
وتأتي رسالة قسم الآثار بجامعة السلطان قابوس مساوقة لهذه الطموحات والأهداف الوطنية، ملبية لرؤية سلطنة عُمان الراهنة والمستقبلية، في إماطة اللثام عن التراث الثقافي المتنوع الذي تزخر به، وليكون قسم الآثار بجامعة السلطان قابوس مركزًا وطنيًا للتعليم، والتدريب، والمشاركة الفعالة والمساهمة في إعداد البرامج والخطط العلمية التي تحفظ هذا التراث.
ولقد عمل قسم الآثار منذ إنشائه على تعزيز المعارف والقدرات النظرية والعملية لطلابه، في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، من خلال وضع الخطط والبرامج المناسبة؛ ليشاركوا في الحفاظ على آثار سلطنة عُمان وتراثها.
ويسعى القسم منذ تأسيسه إلى بناء شراكات مع المؤسسات المحلية؛ العامة والخاصة، بهدف تأهيل كوادر متخصصة في العمل الأثري، وحفظ التراث بجميع الوسائل المتاحة، والارتقاء بمستوى الكفاءات التي تعمل على إدارة وحفظ وصون التراث. ومن بين أهم هذه المؤسسات (وزارة التراث والسياحة) إذ يمثل القسم بيت خبرة في مجال الاستشارات الأثرية، ومجال الأعمال الميدانية المشتركة، وتدريب الكوادر الفنية.
ولا يقف دور القسم عند إعداد الكوادر العلمية والفنية، بل يعمل أيضًا على ربط جسور التعاون العلمي والبحثي مع الجامعة والمؤسسات الدولية والإقليمية، عبر إقامة المشاريع المشتركة، فقد كان للدراسات الميدانية التي قام بها القسم أهميتها الواضحة في المسح الأثري، والتنقيب في مناطق مختلفة من سلطنة عُمان، وتقديم نتائجها في مؤتمرات ولقاءات علمية في مختلف بلدان العالم، ونشرها في عدد من الكتب والدوريات العلمية المتخصصة. وكان لتك الدراسات الميدانية أثرها في سعي كثير من المؤسسات البحثية والأكاديمية في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا إلى إقامة شراكات دولية مع قسم الآثار بهدف تنفيذ عدد من المشاريع البحثية المشتركة. وكان من ثمرات هذا التعاون توقيع بعض مذكرات التفاهم بين الجامعة وتلك المؤسسات العلمية، إضافة إلى تعزيز البحث الأثري والدفع به نحو الأمام، وتطوير آلياته وأساليبه وكيفية إدارة قضاياه المختلفة.
ويلتزم قسم الآثار بطموح دائم، لتحقيق تلك الرسالة، في جميع مجالات العمل الأثري، وفق الأهداف الوطنية، التي تخدم رؤية سلطنة عُمان في التنمية المستدامة، وتأكيد الهوية الوطنية، وتعزيز الانتماء، ووفق المعايير العالمية، وأحدث التقنيات العلمية المعاصرة في ميدان علم الآثار.